أين تختبئ، يا خليلي، تاركًا إيّاي منتحبة؟ كما الأيلِّ هَرَبتَ، بعد أن جرحتَني؛ لكنّني خرجتُ لأقتفي أثرك وأنا أصرخ. عبثًا حاولت اللحاق بك! “أين تختبئ؟” كما لو أنّ النفس كانت تقول: “أيّها الكلمة، يا عريسي، أرِني المكان الذي ترتاح فيه”. هذا يعني الطلب منه إظهار جوهره الإلهيّ، لأنّ “المكان الذي يرتاح فيه ابن الله” كما قال لنا القدّيس يوحنا هو “حضن الآب” (راجع يو 1: 18)، أو بتعبير آخر، إنّه الجوهر الإلهيّ الذي لا تراه العين البشريّة، والذي يعجز العقل البشري على سبر أغواره. قال إشعيا متوجّهًا إلى الله: “إِنَّكَ لَإِلهٌ مُحتَجب يا إِلهَ إِسرائيلَ الَمُخَلِّص” (إش 45: 15). لهذا السبب، ولنلاحظ جيّدًا، مهما كان التواصل حميمًا، ومهما كانت المعرفة التي تنالها النفس من الله في هذه الحياة سامية، فإنّ ما تراه هذه النفس ليس جوهر الله ولا شيء مشترك معه. في الواقع، يبقى الله محتجبًا دائمًا عن نفسنا. مهما كانت الروائع التي تُكشف لها، يجب أن تنظر النفس إليه دائمًا على أنّه محتجب وأن تبحث عنه في عزلته قائلة: “أين تختبئ؟” في الواقع، لا التواصل السامي ولا الحضور الحسيّ هما علامة أكيدة على حضور الله المفيد في النفس، كما أنّ الجفاف والحرمان من كلّ هبة من هذا النوع ليسا دليلاً على غيابه. هذا ما قاله لنا النبي أيّوب: “يَمُرُّ بي فلا أُبصِرُه ويَجْتاز فلا أَشعُرُ بِه” (أي 9: 11). يمكننا أن نتعلّم التالي ممّا سبق: إن كانت النفس تنعم بتواصل كبير وبمعرفة وبمشاعر روحيّة، يجب ألا تظنّ أنّها تملك الله أو أنّها تملك رؤية واضحة وجوهريّة عنه، أو أنّها بفضل هذه المواهب تملك الله أكثر أو تعمّقت أكثر فيه. كذلك، إن غاب عنها كلّ هذا التواصل الحسّي والروحيّ وتُركت في أرض قاحلة وسط الظلام والتخلي، يجب ألاّ تظنّ أبدًا أنّ الله غائب عنها في هذه الحالة… إنّ الهدف الأساسي للنفس في هذا البيت من الشعر ليس إذًا طلب التفاني العاطفي والحسّي، الذي لا يعطي يقينًا ولا دليلاً على امتلاك العريس في هذه الحياة: هذه النفس تطلب حضور جوهره ورؤيته بشكل واضح وتريد أن تتمتّع به بشكل أكيد في الحياة الأخرى.
maronite readings – rosary.team