لماذا التجديف على الرُّوح القدس لن يُغفَر؟ وبأيّ معنى علينا أن نفهم هذا التجديف؟ لقد أجاب القدّيس توما الأكويني على هذا السؤال بتفسيره أنّ هذه الخطيئة هي غير قابلة للغفران بطبيعتها لأنّها تفتقر إلى المقوّمات التي يرتكز عليها غفران الخطايا. بناءً على هذا التفسير، فإنّ هذه الخطيئة لا تُرتَكب حين يقوم إنسان ما بالتفوّه بكلام نابٍ على الرُّوح القدس؛ إنّما جوهر هذه الخطيئة يكمن في رفض الإنسان تلقّي الخلاص الذي يقدّمه الله الآب للإنسان بواسطة الرُّوح القدس باستحقاق ذبيحة الابن على الصليب. إذا رفض الإنسان انكشاف خزي الخطيئة، هذا الانكشاف الآتي من الرُّوح القدس، والذي يحمل طابعًا خلاصيًّا (راجع يو 16: 8)، فإنّه يرفض في الوقت نفسه مجيء البارقليط. هذا المجيء يتجسّد من خلال السرّ الفصحيّ باتّحاد مع القوّة الخلاصيّة لدم الربّ يسوع المسيح، هذا الدم الذي “يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعبدَ اللهَ الحَيّ” (عب 9: 14). نحن نعرف أنّ ثمرة هذا التطهير هي غفران الخطايا. وبالتالي، فإنّ مَن يرفض الرُّوح والدم (راجع 1يو 5: 8) يبقى في “الأَعمالِ المَيْتَة” أي في الخطيئة. إنّ خطيئة التجديف على الرُّوح القدس تكمن بالتحديد في الرفض المطلق لهذا الغفران الذي يشكّل الرُّوح القدس نبعًا له، ويشكّل الارتداد الحقيقيّ الذي يقوم به الرُّوح في الضمير شرطًا أساسيًّا له. إنْ قال الرّب يسوع: ” كُلُّ خَطيئةٍ وتجديفٍ يُغفَرُ لِلنَّاس، وَأَمَّا التَّجْديفُ على الرُّوح، فلَن يُغفَر… لا في هذهِ الدُّنيا ولا في الآخِرة”، فذلك لأنّ عدم الغفران هذا مرتبط بعدم التوبة أي الرفض المطلق للارتداد… إن التجديف على الرُّوح القدس هو الخطيئة التي يرتكبها الإنسان الذي يطلب “حقّ” البقاء في الشرّ – أي في حال الخطيئة مهما كانت – ويرفض الخلاص بذات الفعل. هكذا يبقى الإنسان محبوسًا في الخطيئة جاعلاً من المستحيل توبته، وبالتالي أيضًا غفران خطاياه الذي يعتبره غير ضروريٍّ وغير ذي أهمّية لحياته. نحن هنا أمام حالة من الدمار الرُّوحي لأنّ التجديف على الرُّوح القدس لا يسمح للإنسان بالخروج من سجن الخطيئة الذي أدخل نفسه إليه.
maronite readings – rosary.team