الأربعاء، ٢ مارس : بطاركة الشرق الكاثوليك
وإنّنا نجد في تعليم ربّنا ومخلّصنا ما يدعونا … إلى أن نكون نورًا: ” أَنْتُم نُورُ العَالَم. لا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَبَل. ولا يُوْقَدُ سِرَاجٌ ويُوضَعُ تَحْتَ المِكْيَال، بَلْ عَلى المَنَارَة، فَيُضِيءُ لِكُلِّ مَنْ في البَيْت” (مت 5: 14-15)؛ وملحًا: “أنْتُم مِلْحُ الأَرض. فَإِذَا فَسَدَ المِلْحُ فَأَيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُهُ؟ إِنَّهُ لا يَعُودُ يَصْلُحُ لِشَيء، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ في الخَارِجِ وتَدُوسَهُ النَّاس” (مت 5: 13)؛ فإذا انعزل النور عن البيت فإنّه يفقد معنى وجوده، وإذا انتزع الملح عن الطعام فلا فائدة منه… وعندما لا نكون نورًا وملحًا… فإنّنا نتحوّل إلى كيان جامد متحجّر يكون عبئًا على نفسه وعلى مجتمعه. تحمل الكلمات الإنجيليّة الآنفة الذكر بشرى سارّة عظيمة للمسيحيّين في الشرق. وإذا قرأناها في ضوء وضعنا كأقليّات في مجتمعاتنا، فإنّها تصبح قادرة على أن تحوّل هذا الوضع، من واقع اجتماعي يضغط على نفسيّاتنا ونظرتنا إلى أنفسنا ونظرة الآخرين إلينا، إلى واقع دعوة وشهادة ورسالة نعيشه في فرح الإيمان. إنّ النور ضئيل في البيت، ولكنّه يضيء البيت كلّه، والملح قليل في الطعام، ولكنّه يعطيه نكهته… إنّنا نذكّركم بما قلناه في رسالتنا الأولى: “إنّ الكنيسة لا تقاس بالأرقام والإحصاءات، بل بوعي أبنائها الحي لدعوتهم ورسالتهم”. لقد حان الوقت لنستوعب هذا الواقع الكمي لنحوّله إلى واقع نوعي، حيث يحلّ حجم القوّة الروحيّة محلّ الحجم العددي. وبذلك نتحرّر من كلّ ما خلّفه وضع الأقليّة في التاريخ من رواسب نفسيّة واجتماعيّة قاتلة، كتجربة الانكفاء، وعدم الثقة بالنفس وبالمجتمع، والتظلم، والانعزال أو الذوبان: “لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير (لو 12: 32). لقد كان المسيحيّون الأوّلون، الذين نشأوا في بلادنا، أقليّة صغيرة متواضعة. غير أنّهم كانوا يمتازون بحيويّة الإنسان الجديد وحماسه وفرحه، ممّا جعل الناس أجمعين ينظرون إليهم بإعجاب واندهاش: وكانوا “يَنالون حُظوَةً عِندَ الشَّعْبِ كُلِّه” (أع 2: 47). إنّ نظرة الناس إلينا تقرّرها، بشكل من الأشكال، نوعيّة حضورنا وكثافته، لا قلّة عددنا أو كثرته.
maronite readings – rosary.team