الجمعة، ٢٥ نوفمبر : القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم
إنّ اليهود الذين كانوا يتوقّعون الحصول على غذاء ماديّ، لم يشعروا بالقلق إلاّ حين انتُزع منهم هذا الأمل: “فتَذَمَّرَ اليَهودُ علَيه لأنّه قال: “أنا الخُبزُ الذي نَزَلَ مِنَ السَّماء”. السبب الظاهر لقلقهم هو أنّ ربّنا كشف لهم أنّه نزل من السماء، إنّما السبب الحقيقي هو أنّهم فقدوا الأمل بالغذاء المادي الذي كانوا ينتظرونه. إلاّ أنّ الآية التي كان قد اجترحها للتوّ فرضت عليهم بعض الاحترام تجاهه، لذا لم يتجرّأوا على مخالفته الرأي علنًا واكتفوا بالتعبير عن استنكارهم من خلال التذمّر. ما كان الغرض من هذا التذمّر، ها هو: “وقالوا: “أَليسَ هذا يسوعَ ابنَ يوسُف؟” كانوا ما يزالون بعيدين من خبز السماء ولا يرغبون فيه بعد، لأنّ هذا الخبز يتطلّب جوع الإنسان الداخلي. من الواضح أنّهم لم يكونوا قد تعرّفوا بعد إلى نَسَب المخلّص الرائع، بما أنّهم نادوه ابن يوسف. مع ذلك، لم يوجّه إليهم أيّ لوم ولم يقُل لهم البتة: “لست ابن يوسف”، لأنّهم كانوا غير قادرين على فهم ولادته العجيبة؛ لأنّهم كانوا عاجزين عن فهم ولادته بالجسد، فكم بالأحرى ولادته الأزليّة وغير القابلة للوصف. أخذ جسدنا المائت، لكن ليس كما يتّخذه البشر. كان لديه أب في السموات، واختار أمًّا على الأرض؛ وُلد بدون أمّ في السماء وبدون أب على الأرض. لكن ما كان جوابه على تذمّر اليهود؟ “أَجابَهم يسوع: “لا تَتَذمَّروا فيما بَينَكم”، ما يعني: أعرف لماذا ليس لديكم هذا الجوع الروحيّ، ولماذا لا تفهمون ولا تبحثون عن هذا الخبز: “ما مِن أحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إليَّ، إلاّ إذا اجتَذَبَه الآبُ الَّذي أرسَلَني”. أيّ مديحٍ رائعٍ للنعمة! لا يأتي أحدٌ إن لم يُجتَذب؛ لا تحاولوا معرفة مَن اجتُذِب ومَن لم يُجتَذب، ولا تقوموا بالحكم عليهم؛ لماذا يجتذب الله هذا بدل ذاك، إذا كنتم لا تريدون أن تُضِلّوا الطريق، واكتفوا بسماع هذه الحقيقة: أنتم لم تُجتَذبوا بعد، لذلك صلّوا لله كي يَجتَذِبكم.
maronite readings – rosary.team